إيّاك والهوى


 عاشراً / إيّاك والهوى :
  بعض الناس قد تميل نفسه إلى أمر ما فيعزم على فعله ؛ فتُذكِّرُه بالاستخارة وتنصحه بها ؛ فيقول : ولما ذا أستخير وأنا مقتنع بهذا الأمر  .. وهو في الحقيقة متبع لهواه ، ويخشى أن يستخير فيختار الله له غير ما تهواه نفسه ، وهذا من أعجب الأمور ، قال الشاعر :

   خالف هواك إذا دعاك لريبةٍ    فَلَرُبَّ خيرٍ في مخالفة الهوى

وأحسن منه قوله تعالى : ((  أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ )) ( الجاثية : 23) .


11/  لا بدّ من التدبر :
العبادات القولية – كالأذكار والأدعية ونحوها – ليس المقصود منها مجرد ترديدها باللسان فحسب ؛ وإنما المقصود فهم معانيها ، واستشعار كل كلمة فيها ، وإلا تصبح قليلة النفع والفائدة  ، وهذا هو السر في عدم انتفاع كثير من الناس بالأدعية والأذكار المشروعة .
  ودعاء الاستخارة كغيره من الأدعية ، لا بد من فهمه وتدبر  معانيه حتى يحصل به النفع بإذن الله .
فقول المسلم : (( اللهم إني أستخيرك بعلمك )) : أي : إني يا الله أسألك أن تختار لي الخير بعلمك الذي وسع كل شيء
(( وأستقدرك بقدرتك )) أي : أسألك بقدرتك – وأنت على كل شيء قدير – أن تقدّرني على فعل ما تختاره لي .
(( وأسألك من فضلك العظيم )) أي : أسألك الزيادة مما في خزائنك التي لا تنفذ مما تعلمه ولا أعلمه ولا يخطر لي على بال .
 ((  فإنك تقدر ولا أقدر ))  اعتراف بالعجز أمام قدرة الله النافذة .
(( وتعلم ولا أعلم ))  اعتراف بالجهل ، وأن الله هو وحده العالم بكل شيءٍ سبحانه .
 (( وأنت علّام الغيوب ))  تعلم عواقب الأمور ، وما تؤول إليه ، في المستقبل القريب والبعيد ، لا يعلم ذلك إلا أنت ([1]) .
 (( اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر – ويسميه – خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري .. فاقدره لي ))
 قد جمعت هذه الكلمات المعدودة سائر أحوال الإنسان ومصالحه الدنيوية والدينية والأُخروية ، القريبة والبعيدة ، فلا إله إلا الله ما أعظم هذا الدعاء وما أبلغه وما أكمله وأشمله ، فأي خيرٍ يناله المسلم – إن قَبِلَ الله استخارته – أعظم من هذا الخير ؟!
  ( ويسِّرْه لي ثم بارك لي فيه ) أي : أسألك يا ربّ أن تجعله ميسراً ومباركاً فيه ، فإن الأمر قد يكون مُقدّراً ولا يكون مُيسَّراً  ، وقد يكون مُقدَّراً ومُيسَّراً ولكن غير مُبَارَكٍ فيه .
 وإن كان شراً: (فاصرفه عني)أي: لا تقدرْه لي ولا تجعلْه من نصيبي .
 ( واصرفه عنه ) فلا أميل إليه ولا أتعلق به ولا أقدر على فعله .
( واقدر لي الخير حيث كان ) : ولو كان فيما أكره ( ثم أرضني به ) أي : اجعلني راضياً بما قدرته لي ، منشرح النفس مطمئن القلب ، والله تعالى أعلم .


[1] - تنبيه : الغيب لا يختص بالمستقبل بل يشمل كل ما غاب عن المرء علمه كما سمى الله سبحانه قصة يوسف – عليه  وعلى نبينا الصلاة والسلام – غيباً . ويشمل الأمر الحاضر مما لم يطلع عليه الإنسان .

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire