ثامناً
/ هل يشترط التردد :
يظنّ كثير من الناس أن الاستخارة مشروعة للأمور
التي يحصل فيها التردد والشك فقط ، وهذا ليس بصحيح لقوله صلى الله عليه وسلم في
الحديث : (( إذا هم أحدُكم بالأمر )) أي عزم، سواء تردد أو لم يتردد ، ولقول جابر
رضي الله عنه : (( في الأمور كلها )) ولم
يقل في الأمور التي يحصل فيها التردد ، والمسلم قد يهمّ بأمر من الأمور ظانّاً أنه
خير له فلا يستخير ؛ فيكون شراً له وهو لا يعلم ، لذا يشرع للمسلم أن يستخير في
أموره كلها ؛ تردد أو لم يتردد ، فلا يعلم عواقب الأمور إلا الله عز وجل .
تاسعاً / الخيرة فيما اختاره الله :
قد يستخير المسلم في أمر من
الأمور ، وتكون نفسه قد مالت إلى هذا الأمر وتعلقت به ، فلا يقدره الله له ، مثل
أن يستخير في الزواج من امرأة قد رضيها فلا يكتب الله له ذلك ؛ فعلى المسلم في هذه
الحال أن يحسن الظن بربه ، ويرضى بقضاء الله وقدره ، ويوقن أن الخيرة فيما اختاره
الله عز وجل ، فلربما كان زواجه من تلك المرأة سبباً في شقائه وتعاسته وهو لا يعلم
، قال تعالى : (( وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى
أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ
تَعْلَمُونَ )) ( البقرة : 216) ..
فكم من إنسان كره شيئاً كتبه الله له ؛ فتبين
له بعد زمان أنه عين الخيرة له ، وكم من إنسان أحبّ شيئاً وتعلق به ؛ فكان سبباً
في هلاكه وعطبه (( وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ )) .
وقد يستخير المسلم في أمر من الأمور ، فيختار
الله له ذلك الأمر ولكن لا يكتب له النجاح فيه ( في الظاهر ) ، مثل أن يستخير في
الزواج من امرأة فيتزوجها ثم يفشل هذا الزواج ؛ فعلى المسلم أن يرضى ويسلّم ، فقد
يكون ذلك خيراً له وهو لا يعلم (( وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ
لاَ تَعْلَمُونَ )) .
وإليكم هذه الأمثلة الواقعية :
في عام
1400هـ أقلعت إحدى الطائرات من مطار الرياض ، وبعد دقائق حدث خلل في الطائرة فعادت
إلى المطار ثانية ، وفي ظروف غامضة احترقت الطائرة ؛ ولم ينجُ من ركابها أحد ،
وكان عددهم يزيد على الثلاثمائة راكب .....
أحد ركاب
هذه الرحلة كان قد أنهى جميع إجراءات السفر ؛ وتسلّم بطاقة صعود الطائرة ؛ فغلبه
النعاس فغط في نوم عميق ؛ فلم يفق إلا والباب قد أغلق والطائرة قد أوشكت على
الإقلاع ؛ فانطلق مسرعاً يريد اللحاق بهم ولكنّ
الموظف المسؤول منعه من ذلك فجنّ جنون الرجل واشتاط غضباً ، وبعد دقائق
عادت الطائرة المنكوبة ؛ وحدث ما حدث ، وصاحبنا في غاية الدهشة والذهول .
وآخر وصل إلى المطار في الموعد المحدد لكنه نسي
مفتاح السيارة خطأ بداخلها فأمضى وقتاً لاستخراجه فلما توجه إلى صالة المطار كانت
الطائرة قد أقلعت ؛ فحزن لذلك ، وما هي إلا دقائق حتى تحول الحزن إلى رضاً
واطمئنان ؛ فسبحان من بيده الأعمار والآجال ([1]) .
[1] - انظر : ( الحزن والاكئتاب على ضوء الكتاب
والسنة ) للدكتور عبد الله الخاطر رحمه
الله ( بتصرف ) .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire